البطريرك الراعي: ما يعيق إنتخاب رئيس اليوم هي دول الإنتماء والولاء

اشار البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي خلال افتتاح المعرض الماروني للتراث الذي نظمه المركز الماروني للدراسات في استراليا ممثلا بالاب انطوان موسى والدكتور جان طربيه والتجمع المسيحي اللبناني -الاوسترالي برئاسة والي وهبه، في القاعة الكبرى لدير مار شربل، الى ان "المادة 49 من الدستور اللبناني نصت على أن الرئيس هو رمز وحدة اللبنانيين، من هنا لا يمكننا أن نتكلم عن وطن دون رئيس. وأيضا نواب الأمة لا يريدون وحدة، إذ لا وحدة دون رئيس. فلا يمكننا الصمت، حيث كما قال البطريرك الحويك، البطريرك رمز وحدة الكنيسة ورمز وحدة لبنان فلا أحد ينكر هذا الواقع علينا، من هنا الصمت علينا حرام". أضاف: "تكمل المادة 49 من الدستور أن الرئيس حامي الدستور ويقسم على الدستور، إذ لا رئيس دون دستور، ونحن لا نقبل بدولة دون دستور". اضاف قائلا: "لا يمكننا ولا مرة ولا ساعة أن نقبل على الوطن إلا أن يكون واحدا برئيس ضامن وحدته وبعمود فقري هو الدستور".
واعتبر الراعي انه "بعدم إنتخابنا رئيس للجمهورية، يعني نحن ننتهك القسم الرئاسي، وهذه جريمة بحق الوطن. إذ لا يمكن لدولة ولا ليوم واحد أن تكون دون رئيس، وخطورة هذا هذا الأمر ما دفعتنا إلى هذا الكلام". وقال: "فالميثاق الوطني، المسلم والمسيحي أقاماه معا، ولبنان واحد أيضا لكل اللبنانيين، لا شرق ولا غرب. ولاؤه لا لأي دولة عربية كانت أم أجنبية، لكن ما نعيشه اليوم مغاير تماما عن الحقيقة، إذ لكل ولاؤه لغير الدول ما عدا لبنان".
وتابع: "ما يعيق إنتخاب رئيس اليوم هي دول الإنتماء والولاء ، إذ بدورها لم تعط بعد كلمة السر. وهذا كله مناقض تماما لمفهوم التعاون والصداقة، بحيث وحسب المبدأ والدستور لا يمكن لأي دولة أن تكون لها الأولوية واعتبارها الأولى، إذ كل الدول هي لها أولوية واحدة وهي الصداقة، ولبنان هو صديق للكل ومنفتح على الكل لم يقدر أن يدخل بمحاور إقليمية ودولية. رسالة لبنان هي الإنفتاح على الكل، يلتزم بكل القضايا دون أن يغلق الباب على احد، هو بتعاون وبشركة مع الكل".
وشكر "طلاب المعهد الذين أدوا أغنتين ترددتا صباحا في مدرسة مار مارون ومساء في مدرسة مار شربل، الأولى بعنوان: " I am, you are, we are Australian ". وتوقف عندها بغصة، شارحا أبعاد هذا التعبير أنا أنا، وأنت أنت، وكلنا أوستراليون. وما يحذ بقلبي أن هذا لا ينطبق على واقعنا اللبناني اليوم. لقد عاش لبنان هذه الحقيقة مع البطريرك الياس الحويك، وفي الميثاق الوطني. أما اليوم في لبنان أصبحنا نعيش عكس هذه الحقيقة فاستبدلنا ال أنا أنا وأنت أنت وكلنا نشكل الوطن بأنا أو أنت، وهذه يجب محوها من قاموسنا، فما شهدناه بالأمس خلال الانتخابات الطلابية في جامعة سيدة اللويزة شاهد على أنا أو أنت". أضاف: "المدرسة هي ال "نحن"، من هنا من دير ومدرسة مار شربل نرسل نداءنا إلى السياسيين والأحزاب ونقول لهم كفى أن تربوا أنا أو أنت. نطلب منهم أن يعيشوا هوية لبنان الحقيقية على مثال نشيدنا الوطني : "كلنا للوطن".
وتابع: "أما الأغنية الثانية فهي : "I Still Call Australia Home " أي "ما زلت أدعو أوستراليا بيتي"، ولبنان هو بيت لجميع اللبنانيين إلا أن العديد من اللبنانيين لا يعتبرون لبنان بيتهم فكل واحد له بيت خارجي وانتماء خارجي، لم يقبلوا بأن يكون لهم لبنان وطنا وبيتا".
أضاف: "المواطن الأوسترالي يعيش في بلد تعددي ثقافي يحترم الكل، من هنا وأمام العلن يعلن ولاءه أوستراليا بيتي وذلك علامة الشعور بالبيت وبوجود الدولة القريبة والحاضنة له، على عكس لبنان، إذ بإلغاء الآخر نصل"، مؤكدا أن لا أحد أكبر من لبنان والدستور، إذ يجب علينا جميعا أن نكون في خدمة الوطن ولا يمكننا العيش دون الآخر، وبصرخة قال تطلبون منا أن "نبق البحصة، رح نبقها" لأنها "خربت". وبعودة إلى تحديد المجتمع اللبناني، صرح الراعي "أن المجتمع اللبناني بطبيعته مجتمع يحترم غيره وتعدديته، من هنا المطلوب اليوم من الساسة إحترام هوية مجتمعهم"، لافتا الى "أهمية المحافظة على هوية لبنان وصيغته"، معلنا "أن الذين زارهم في أربيل قد حملوه رسالة عنوانها المحافظة على لبنان وإنتخاب رئيس"، مؤكدا "أهمية دور البطريرك"، مستشهدا بالبطريرك الدويهي، إذ قال "أن الذي يخون وظيفته يبطل أن يكون بطريركا. من هنا مثمنا هذا الموقف، معبرا "أن على البطريرك أن يقول الحق ولا يقبل أن يغير التاريخ وبخاصة الميثاقية، ويرفض أي مؤتمر تأسيسي بدوره أن يضرب الكيان اللبناني. لبنان يعيش بجناحيه المسيحي والمسلم، فلا نقبل بما يطرح اليوم تحت عنوان المثالثة والتي تعني ضرب الصيغة والتي نرفضها بكليتها"، معلنا "أنه مع المسلم والمسلم معه، والكل مع لبنان وليس مع المثالثة والمرابعة".
وبكلمة رجاء ختم كلمته متكلا على الأعمدة الأربعة والركائز الأربعة والذين هم "قديسو لبنان"، معلنا "أن لبنان للكل، وليس أنا أو أنت". وفي نهاية الاحتفال، قدم الفنان مراد عصا للبطريرك محفورة من خشبة أرز في اوستراليا.
والمعرض هو مجموعة من المنحوتات للفنان التشكيلي توفيق مراد، منها منحوتات لوجوه قديسين وسواهم بالاضافة الى لوحات ذات رموز ودلالات وأبعاد مختلفة. وكان في استقبال الراعي والوفد المرافق الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية مع المدبر الاب طوني فخري وامين السر العام الاب كلود ندره ورئيس دير مار شربل الاب جوزف سليمان .
كما واصل الراعي زيارته الراعوية الى ابرشية اوستراليا، وقد توجه الى مدينة بيلبن Bilpin في منطقة ريتشمون حيث وضع حجر الأساس لبناء مركز White stone لمعالجة المدمنين على المخدرات والكحول التابع للابرشية. وفي مستهل الاحتفال، ألقى راعي الابرشية المطران أنطوان شربل طربيه كلمة تحدث فيها عن اهداف المركز وتطلعاته، شاكرا لغبطته "تشجيعه ودعمه وقربه من قضايا الشبيبة، كما شكر لمؤسسة المركز الاخت روز تريز طنوس من راهبات العائلة المقدسة عنايتها واهتمامها من اجل مساعدة المدمنين على التخلص من معاناتهم والعودة الى الحياة والمجتمع بشكل طبيعي، لا بل ان يتحولوا الى مدمنين على كلمة الله. واعتبر طربيه "ان الفرحة اليوم بلقاء غبطته مزدوجة: الاولى اننا ننظر معه ومعكم الى مستقبل ابرشيتنا، ولذلك يطلق لنا غبطته اليوم مشروع "وايت ستون"، والفرحة الثانية هي اننا سنطلق على هذا المكان اسم مركز قاديشا لابرشية اوستراليا المارونية".
بعد ذلك، ترأس الراعي صلاة تبريك حجر الأساس لمؤسسة "الحصاة البيضاء" لإعادة تأهيل المدمنين، والقى الراعي كلمة تحت عنوان "تشجعوا انا هو لا تخافوا"، قال فيها: "كم يذكرنا هذا المكان الجميل بإنجيل اليوم، بحيث ان الله لا يزال يكلمنا اليوم ليعطينا كل معنى هذا المكان الذي فيه نستطيع بناء المجمع الابرشي الذي يحتوي على مركزWhite stone لاعادة تأهيل المدمنين بشتى انواع الإدمان".وتابع محييا كل الشباب وفريق عمل جمعية "الحصاة البيضاء" على هذا المشروع الضخم، الذي "سيشكل واحة سليمة وصحية تساعد شبيبتنا الذين تعثروا في الطريق". اضاف:"نأتي الى هنا مع صاحب الرؤيا البعيدة المطران طربيه الذي رأى ان هذا المكان سيكون مكانا يتجلى فيه الرب، وفيه يتحقق حلم ابناء الابرشية بمشروع ابرشي يمتد على مساحة الف متر مربع".
وتابع: "يقول لنا الرب "لا تخف"، هذا التطمين يجب ان نقابله نحن بعدم التشكيك بقدرة الله، فكل ما يحتاجه منا الرب هو الايمان فقط. الحصاة البيضاء هي الصخرة التي عليها نبني هذا المركز. كل واحد منا هو مدمن على شيء ولكن كل إدمان ينتهي بالإيمان والتوبة والثورة على الذات. هذا طبعا يحتاج الى بطولة ولكن الخروج من هذه الحالة تدخلنا بفرح كبير يكشف لنا معنى وجودنا وحياتنا. مواجهة هذه الحالة لا تكون فقط بمجهود فردي شخصي انما بمساعدة الرب الذي يعطينا شخصية جديدة وكيانا جديدا وطريقا جديدا". وختم:"يا رب زدنا إيمانا بك وتوبة وعودة إليك لنسمع صوتك الموجه. انا حي لكن لست انا، بل المسيح حي في".
ومن بيلبن انتقل الراعي والوفد المرافق بعد ظهر اليوم الى رعية مار جرجس في تورنلي، حيث كان في استقباله الرؤساء العامين وحشد من الكهنة ومن ابناء الرعية يتقدمهم عدد من النواب. والى الكنيسة دخل الراعي وسط الترانيم ونثر الأرز والورود والزغاريد، حيث اقام الصلاة وزياح القديس جرجس، ثم كانت كلمة لكاهن الرعية الاب بشارة طراد المرسل اللبناني استهلها بعبارة "مجد لبنان اعطي له"، فاعتبر "ان الايمان الساطع هو المجد الذي بقي للبنان، وقد جئنا اليوم نجتمع رعية واحدة حول راعيها الواحد. فأنطاكيا لم تعد سوى القطعة الجغرافية وبكركي ليست بكركي الجغرافية انما بكركي هي في كل بقعة من الارض وجد عليها موارنة".
ثم رد الراعي بكلمة شكر فيها راعي الابرشية على الدعوة، مهنئا إياه على حرارة الايمان التي لمسها لدى ابناء الابرشية، شاكرا جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة بشخص رئيسها العام الاب مالك بو طانوس على خدمة الرعية. وقال: "نزوركم بسعادة كبرى بعد ان وضعنا حجر الأساس للمجمع الابرشي الضخم.
يكون عادة للرعية شفيع يكرم ويقتدى به، ففي لوحة القديس جرجس نرى التنين الذي يترقب الانقضاض على الكنيسة. فمار جرجس كان جنديا مدافعا عن الايمان المسيحي بوجه الشر على انواعه. الاضطهاد لا يعني فقط الاضطهاد بالقتل والحرب، انما قد تكون الكنيسة مضطهدة بايديولوجيات وبافكار من الخارج او حتى من قبل ابنائها الذين لا يدخلون الى بيت الله ولا يستمعون الى تعاليم الكنيسة، والى توجيهات رجالها". وختم الراعي: "اشكر هذه البلاد العريقة اوستراليا التي تحترم كل انسان وتساعده على تحقيق ذاته. ان السلطات الاوسترالية عبرت لي عن افتخارها بالجالية اللبنانية التي أغنت المجتمع الاوسترالي بطاقاتها ومواهبها وتقاليدها. ارجو ان تحافظوا على شرف وكرامة الحصول على الجنسية اللبنانية، وان تساعدوا لبنان بتسجيل قيودكم في سجلات النفوس. فنحن نفخر بكم ونقوى بكم".

CONVERSATION

0 comments: