العظة التي ألقاها سيادة المطران أنطوان-شربل طربيه بمناسبة مرور ٢٥ سنة على إستشهاد فخامة الرئيس رينيه معوض ومرافقيه

الأحد ٢٣ تشرين الثاني ٢٠١٤ - كنيسة مار شربل، بنشبول

أيها الأحباء، 
تحتفل كنيستنا المارونيّة اليوم بأحد بشارة العذراء مريم متأملين معاً بمخطط الله لخلاص الإنسان والذي هو بالأساس وعدٌ وتحقيق.   

بالبشارة لمريم ظهر مخطط الله الخلاصي، الذي يشمل جميع البشر. لقد وعدهم الله بالخلاص وبمخلص بعد وقوع آدم وحواء في الخطيئة، خطيئة عصيان وصية الله الخالق. ونقرأ في سفر التكوين ما قاله الله للحيّة، رمز الشيطان أبي الكذب: "أضع عداوةً بينك وبين المرأة، بين نسلكِ ونسلها، وهو يسحقُ رأسَك، وأنتِ تتربصّين عقبه" (تك ١٥/٣). هذا النسل هو المسيح إبن الله المتجسد من مريم العذراء - حواء الجديدة- لخلاص كل انسان، والبشرية برمتها. 

أما أن تسمي مريم نفسها في حدث البشارة، كما سمعنا في إنجيل اليوم، "أنا أمة الرب" فهي عبّرت بذلك عن استعدادها الكامل لخدمة الخلاص وخدمة ابنها يسوع، بحيث تقود إليه في التواضع والصبر جميع البشر. وبقبول مريم العذراء بالحبل الإلهي تحقّق مخطط الله الخلاصي عن طريق البشارة لمريم "المباركة في النساء". إنها البركة التي غمر بها الله الآب في المسيح البشر أجمعين.

من هنا نفهم أن البشارة ليست حدثاً ينتهي في الماضي، بل هي بشرى مستمرّة للبشرية، ونفهم أيضاً بأن الكلمة النهائية ليست لقوى الشرّ والظلام، مهما عظمت، بل لله الذي خلق الكون، وافتداه بدم ابنه الوحيد، وتواصلٌ لوساطة مريم، أم الفادي، التي تشفع بنا جميعاً، نحن إخوة ابنها في الإنسانية، خصوصاً عندما نتخبط بأمواج هذا العالم ومحنه الكثيرة، حتى نبلغ بعد حياتنا هنا إلى الوطن السماوي السعيد، رجاء حياتنا ومبتغانا.

أيها الأحباء،
في أحد البشارة أيضاً، نلتقي معاً في هذه الكنيسة المباركة، كنيسة القديس شربل - قديس لبنان والعالم، لنرفع الصلوات ونقدم القرابين في ذكرى ٢٥ سنة  على إستشهاد رئيس الجمهورية المنتخب المرحوم رينيه معوض الذي أراق دماءه الذكية على مذبح الوطن والحرية والسيادة والإستقلال في الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني سنة ١٩٨٩، وقد إستشهد معه العديد من مرافقيه - رحمهم الله.

القضية اللبنانية ونهائية الوطن اللبناني بدستوره وميثاقه وأنظمته وفقاً للإصلاحات السياسية التي تضمنتها وثيقة الوفاق الوطني الصادرة عن إتفاق الطائف، كانت برنامج عمل الرئيس الشهيد وهمّه الأول، وكان قد أعلن عنها تباعاً خلال الثمانية عشر يوماً من حكمه للبلاد.

والهمّ الآخر الذي ناضل من أجله فخامة الرئيس الشهيد كان قيام الدولة القوية القادرة، وبسط سلطة الشرعية بقوتها الذاتية على كل شبرٍ من أرض لبنان وجمع كل سلاح خارج القوات المسلّحة الشرعيّة اللبنانيّة ووضعه بتصرف الجيش اللبناني لأن الدولة هي الضامنة والحامية للجميع.

همّ الوطن الحرّ السيّد المستقلّ وهمّ الدولة القوية والقادرة حملهما الرئيس الشهيد طوال حياته وعمل جاهداً من أجل تحقيقهما معتبراً أن المصالحة الوطنية بين اللبنانيين والولاء الأول والنهائي للبنان يشكلان المدخل إلى المرحلة الجديدة من حياة وتاريخ لبنان. "فالمصالحة لا تستثني أحداً فهي ملكٌ للجميع وتتسع للجميع" كما قال رحمه الله.

نعم أيها الأحباء، المصالحة وتنقية الذاكرة الوطنية هما المدخل إلى المرحلة الجديدة، لأنه من دونهما ومن دون الولاء الصادق والحقيقي للبنان والتفاهم بين اللبنانيين، سيستمر المشهد على ما هو عليه، ويبقى المجال واسعاً لأعداء لبنان ولقوى الظلام  للتحكم بنا، تارةً بإغتيال رئيسٍ منتخب للجمهورية وطوراً بتعطيل إنتخاب رئيسٍ جديدٍ للدولة اللبنانية.
ولكن نحن كلنا إيمان بأن الكلمة النهائية هي ليست لقوى الشر والظلم، انما هي للحق، والحق سينتصر طالما أننا ثابتون في مطالبتنا به، ومستمرّون بحملِ رايته أينما كنا وحلّلنا.

نجدّد معكم أيها الأحباء وباسمكم التعزية إلى اللبنانية الأولى الأسبق السيدة نائلة التي أخذت على عاتقها حمل شعلة هذا الإرث الوطنيّ ومتابعة المسيرة مع نجلها العزيز ميشال الذي أخذ على نفسه حمل همّ الوطن وهمّ الدولة بما يعتمر قلبه من حبّ لبنان.

ونتوجه بالتعزية أيضاً إلى كل اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، ونخصّ منهم أبناء إهدن زغرتا الأحباء خصوصاً في اوستراليا، الذين يتذكرون هذا الحدث الأليم في عيد الإستقلال، ونشكر حركة الإستقلال في اوستراليا بشخص رئيسها السيد أسعد بركات والتي تنظم هذا القدّاس السنوي، الذي نعيش فيه أبعاد الرجاء المسيحي ونقف أمام معاني الإستشهاد وبذل الذات على مثال المعلّم الإلهيّ من أجل من نحب.

رحم الله شهداء الوطن اللبناني الحقيقيين، وحمى وطننا اوستراليا من كل مكروه، وأعطانا بشفاعة العذراء مريم أن نفتح قلوبنا لبشرى الخلاص وأن نتشدد بالرجاء وسط المحن، وأن يعمّ السلام العالم أجمع خصوصاً الشرق الأوسط ولبناننا الحبيب. آمين.        

CONVERSATION

0 comments: