"شبيبتُنا رجاءُ كنيستِنا"
أيها الإخوةُ والأخواتُ أبناءَ الأبرشيةِ الأحباء،
1. احتفالُنا السنويُّ بعيدِ الميلاد، ليس مجرَّدَ ذكرى نستعيدُها أو قصةً نردّدُها، أو أسطورةً نُكرّرُ مغزاها أو تمثيليةً نرغبُ بمشاهدتِها، بل هو حدَثٌ، لا بل، أعظمُ حدثٍ شهِدَه تاريخُ الإنسانِ والكون، يحمِلُ في طيّاتِه بُعدَينِ أساسيَّين: بُعداً تاريخياً يَروي لنا ميلادَ ابنِ اللهِ في أُسْرتِنا البشرية، وبُعداً لاهوتياً يَروي لنا ميلادَ الإنسانِ في أحضانِ الأُسرة الإلهية. انها المُعجِزةُ الكبرى والبُشرى العُظمى التي نحتفلُ بها في الميلاد: فاللهُ أصبحَ له وجهٌ إنسانيٌّ بيسوعَ المسيحِ، ربِّنا المولودِ في بيتَ لحم، من الطوباويةِ مريمَ البتول، وبالمقابلِ أصبحَ للإنسانِ وجهٌ إلهيٌّ أيضاً بيسوعَ المسيحِ المولودِ منَ اللهِ الآبِ قبلَ كلِّ الدهور.
2. هذا هو فرحُ الميلادِ العظيمِ التي نقلته ملائكةُ السماءِ إلى أرضِنا مُهلِّلينَ مُرنِّمين: "المجدُ لله في العُلى وعلى الأرضِ السلام، والرجاءُ الصالحُ لبَني البشر."
3. واليومَ في هذه المناسبةِ الميلادية، أحبُّ أن أتوجَّهَ بنوعٍ خاصّ ٍإلى شبيبتِنا، رجاءِ كنيستِنا لأقولَ لهم: أنتم واحةُ التفاؤل، ومحورُ النشاط، ورايةُ الإراداتِ الصالحة، فما أجملَ أن تتوجَّهُوا إلى الربِّ يسوعَ في عيدِ الميلاد، سائلينَه أن يحوّلَ تفاؤلَكم الطبيعيَّ إلى رجاءٍ مسيحيٍّ وطيد، ونشاطَكم الحيويَّ إلى قيمٍ وفضائلَ إنسانيةٍ ومسيحيةٍ تَسْعَوْنَ لعيشِها كلَّ يوم، وإراداتِكُم الصالحةَ إلى الحُبِّ المُضحيِّ الذي يُعطي ذاتَه ومن ذاتِه دونَ حساب. إنها أجملُ هديةٍ تقدمونَها للربِّ في عيدِ الميلاد، عندما تنطلقونَ في مسيرةِ التغلُّبِ على كلِّ ما ومَن يُهدِّدُ عيشَنا للرجاءِ والحبِّ والفضيلة، في قلبِ مجتمعِنا وكنيستِنا.
4. فأنتم يا شبابَ وشاباتِ أبرشيتِنا المارونيةِ الحبيبة،
أ. أنتم شبيبةُ الرجاء، أكُنتم في مجالاتِ العملِ والعطاء، أم ما زلتُم طُلاباً على مقاعدِ الدراسةِ والتحصيلِ العلميِّ والأكاديميِّ في إطارِ سياسةِ الانفتاحِ والتفاعُلِ مع الآخرين.
ب. أنتم شبيبةُ الفضيلةِ والقيم، أكنتُم ما تزالونَ في مسيرةِ تمييزِ دعوتِكم المسيحية، أم أنَّكم لبَّيتُم نداءَ الربِّ إلى التكرُّس في الخدمةِ الكهنوتية، أو الحياةِ الرهبانيّة، أو انطلقتُم لاتِّباعِ يسوعَ على دروبِ الحياةِ الزوجيةِ والعائلية.
ت. أنتم شبيبةُ المحبةِ والرحمةِ، أكنتُم ما زلتم تبحثونَ عن أفضلِ الطرُق، لعَيشِ المحبةِ ولترجمتِها أعمالَ خيرٍ ورحمةٍ، أم أنكم أصغيتُم إلى نداءِ إخوتِنا الفقراءِ والمهمَّشينَ والمشرَّدينَ الصارخينَ: "يا ابنَ داودَ ارحمْنا"، فانطلقتُم رُسُلَ رحمةٍ إليهم في مختلَفِ قطاعاتِ العملِ الخيريِّ والإنساني، خصوصاً مع فِرَقِ الرسالةِ المارونيةِ في أبرشيتِنا.
5. فالميلادٌ مناسبةٌ لنا لتفعيلِ برنامجِ الأولويَّاتِ الرعويةِ السبعِ في أبرشيتِنا والتي أطلقناها في السنةِ الماضية. ولأنَّ الشبيبةَ تحتلُّ الأولويةَ الثانيةَ في هذا البرنامَج، كونَها لا تُشكّلُ فقط مكوِّناً أساسياً في مستقبلِ المجتمعِ والكنيسة، بل هي ضرورةٌ حيويةٌ وقوةٌ روحيّةٌ وحاجةٌ جوهريّةٌ في حاضرِ الحياةِ الرعويّةِ والكنسيّةِ والإجتماعيّة. وُلدت فكرةُ المؤتمرِ الأولِ للشبيبةِ المارونية، والذي سيُعقَدُ من ٢٤ إلى ٢٦ تموز ٢٠١٥ تحتَ عُنوان: "لنُشرقْ وننهضْ لأنَّ النورَ قد وافى" فتلتقي شبيبتُنا، بعضُها مع البعض، على هَدْي أنوارِ الميلاد، ويتبادلُ الشبَّانُ الخبُرات، ويستعرضونَ مختلَف التطلعاتِ والطموحات، ويقفونَ عند التحدياتِ التي يواجهونَها في عالمِ اليوم، ساعينَ إلى تحديدِ شخصيتِهم الكنسيّةِ الاوستراليّة، وإبرازِ هـُـويَّتِهم المارونيّة، كخارطةِ طريقٍ للمرحلةِ المُقبِلة.
6. ولا يسعُني في هذه المناسبةِ المباركة، والتي فيها ما زلنا نعيشُ فرحةَ زيارةِ غِبطةِ أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى أبرشيتِنا، والتي كانت من ٢٤ تشرينَ الأول إلى ٧ تشرينَ الثاني، إلاَّ أن أتوجهَ بصلاةِ شُكرٍ إلى العنايةِ الإلهية، التي رافقتْ ودبّرتْ هذه الزيارة، لتكونَ باعثَ رجاءٍ، وتجديدَ إيمانٍ، وحيويةً روحيةً لأبناءِ كنيستِنا المارونيةِ هنا في اوستراليا، ولتشكِّلَ بالتالي بارقةَ أملٍ وعزاءٍ وتضامُنٍ مع إخوتِنا المسيحيينَ المضطهدينَ في بُلدانِ الشرقِ الأوسط، وخصوصاً في العراقِ وسوريا.
7. فعلى أسُسِ الشركةِ والمحبة، تمتدُّ جسورُ التواصلِ بين الموارنةِ في لبنان، وإخوتِهم في بلدانِ الانتشارِ خصوصاً في اوستراليا، لتكونَ الرعيةُ واحدةً لراعٍ واحد. ومع تجديدِ الشكرِ للربِّ على نجاحِ هذه الزيارةِ التاريخية، وتحقيقِ أهدافِها الرعويّةِ والرسوليّة، أجدِّدُ الشكرَ باسمِكم لصاحبِ الغِبطةِ والنيافةِ على زيارتِه لأبرشيتِنا، متمنِّياً له أعياداً مباركة، وأشكُر بالتالي الحكوماتِ في الولاياتِ الأوسترالية والحكومةَ الفدرالية، على الحفاوةِ والإهتمامِ الذي أظهروه لنا خلالَ الزيارة.
8. إني أشكر بالتالي أبناء الأبرشية وأصدقاءَهم، وكلَّ شخصٍ ومؤسسةٍ ورعيةٍ وجمعيةٍ ساهمت من بعيدٍ أو قريبٍ بإنجاحِ الزيارة، من خلالِ التحضيرِ والقيامِ بالإحتفالات، أو من خلالِ المشاركةِ بالصلواتِ والمناسبات، أو عبرَ العملِ التطوُّعي، والمساعدةِ في مختلفِ اللجان، أو من خلالِ التبرُّعاتِ الماديةِ السخية. فروحيةُ الوحدةِ والعطاءِ والتعاونِ التي شهِدناها بامتيازٍ خلالَ الزيارة، عبّرتْ عن فخرِنا بالانتماءِ إلى كنيستِنا المارونية.
9. ومعَ قرعِ أجراسِ العيدِ في الميلاد، أتمنى لكم جميعاً المزيدَ من النِّعَمِ والبركاتِ في هذه الأعيادِ المقدسة، وسنةً جديدةً مليئةً بالخيرِ والسلام. وأرفعُ صلاةَ شُكرٍ لله معَكم ولأجلِكم جميعاً، مُردداً مع القديسِ بولس: "ملأكُم إلهُ الرجاءِ كلَّ فرحٍ وسلامٍ في إيمانِكم، لتزْدادوا في الرجاءِ بقُوَّةِ الروحِ القدس" (روما ١٥/ ١٣).
وُلد المسيح! هللويا!
سيدني في ٢٤ كانون الأول ٢٠١٤
+ المطران أنطوان-شربل طربيه
راعي أبرشية اوستراليا المارونية
0 comments:
إرسال تعليق