"لماذا أنتم خائفين ... فإنّي أنا هو" (لو 24/38-39)
أيها الإخوةُ والأخواتُ الأحبّاء،
يُطِلُّ علينا عيدُ الفصحِ المجيد، حاملًا لنا بُشرى سارّةً انطلقتْ منذُ ألفيْ سنة في أورشليم، ولكنّها لا تزالُ أبدًا متجدّدةً وهي أنّ المسيحَ قام ... حقًّا قام!
فبعدَ الآلامِ وظُلمِ الصليب وظُلمة ِالقبرِ، يَبزُغُ فجرٌ جديد، ويُطلُّ صباحُ القيامة، وتُشرِقُ فيه حقيقةٌ، نورُها أسطعُ من الشمس، تدعونا جميعًا لنعترِفَ بأنّ الرّبَّ يسوعَ حقًّا تألّمَ وحقًّا صُلبَ وحقًّا مات... ولكنّه حقًّا قام. فحَدَثُ القيامةِ هو الاحتفالُ بانتصارِ المحبّةِ على الشّرّ، والنّورِ على الظُلمة، والنِّعمةِ على الخطيئة، والحياةِ على الموت. إنّها حجَرُ الزّاويةِ في بناءِ حياتِنا الإيمانيّة ِوالمسيحيّةِ كما أكّدها بولسُ الرّسولُ حينَ قال: إنْ كان المسيحُ لم يَقُمْ فإيمانُكم باطلٌ وأنتم بعدُ في خطاياكم (1كور 15/17).
ويُطِلُّ علينا الرّبُّ يسوعُ القائمُ من القبرِ، والمنتصِرُ على الموتِ والشّرِّ والخطيئةِ قائلًا لنا كما قالَ لرُسُلِه وللمَريمات: " لماذا أنتم خائفين ... فإنّي أنا هو ". هذه الكلماتُ رافقتْ تاريخَ الإنسانِ منذُ البَدءِ وحتّى اليومِ، ولها مكانتُها في صفحاتِ الكتابِ المقدَّسِ بعهدَيْهِ القديمِ والجديد، وهي تعكُسُ دعوةَ المحبّةِ الّتي تجلّتْ بالخَلقِ أوّلًا وتجدّدتْ بسرِّ التّجسُّدِ وبلَغتْ ذُروتَها بالصَّلبِ والموتِ والقيامة.
"لماذا أنتم خائفين ... فإنّي أنا هو" يقولُها أيضًا الرّبُّ يسوعُ لنا، نحنُ أبناءَ الأبرشيّةِ المارونيّةِ في أوستراليا، وفيها نجِدُ انطلاقةً جديدةً في مسيرتِنا الرّوحيةِ والإيمانيّة، فنَخْلَعُ الإنسانَ القديمَ، إنسانَ الخطيئةِ والأنانيّةِ والكبرياءِ والموت، لنـَلْـبَس الإنسانَ الجديد، إنسانَ النِّعمةِ والعطاءِ والتّواضعِ والحياة. إنّها دعوتُنا للتّخلّي عن الهُوّيّةِ العتيقةِ، عن اللّفائفِ والكفـَنِ، لفائفِ الخوفِ والتّردُّدِ، وكفَنِ التقَوقـُع والإستحياءِ بهُـوّيّتِنا المارونيّةِ أحيانًا وبإيمانِنا المسيحيِّ أحيانًا أخرى، فننتفِضُ على ذواتِنا وعلى الخوفِ في نفوسِنا، ونأتي على مِثالِ المريَماتِ، فنسجُدُ للرّبِّ قائلين له: "رابّوني"... ونُسْرِعُ بعدَ ذلك إلى إعلانِ القيامةِ والبُشرى السّارّةِ للعالَمِ كلـِّه.
وكلماتُ الرّبِّ يسوع " لماذا أنتم خائفين ... فإنّي أنا هو " تجِدُ طريقَها اليومَ إلى أبناءِ كنيسةِ الشّرقِ الأوسطِ المُضطَهَدَةِ والمُعذَّبةِ، وخصوصًا إلى المسيحيّينَ في سوريا والعراق، الّذين يُضطَهَدونَ فقط لكونِهم مؤمِنينَ بالرّبِّ يسوع. ونحنُ نسألُه في عيدِ قيامتِهِ أنْ يُثبّتَهم بإيمانِهم وبأرضِهم وبكنائسِهم، وكلـُّنا إيمانٌ بأنّ شَهادتـَهم الصادقة َ للرّبِّ ستُمكـِّنُهم من الانتصارِ على الخوفِ والظـُّلمِ والإضطهاد. وإنّنا نطلبُ من الرّبِّ لكي يُلْهِمَ عقولَ وضمائرَ المسؤولينَ السّياسيّينَ، فيتوقّفوا عن الّلجوءِ للحربِ وقتلِ الأبرياءِ، ويعُودوا إلى لغةِ الحِوارِ والحلولِ السّلميّةِ للمَشاكلِ العالقة. وفي عيدِ القيامةِ تُصلّي الكنيسةُ وأبناؤُها من أجلِ إخوتِنا البُسطاءِ والمُستـَضعَفين، وخصوصًا الأطفالَ والنّساءَ والمُسنّين، طالبينَ من الرّبِّ أن يجعلـَنا نـَعِي مسؤوليّاتـِنا تـُجاهَهُم، فنساعدَهم ونشجِّعَهم ونَحميـَهم من شَتّى أنواع ِالاستغلالِ وسُوءِ المُعاملةِ الّتي قد يتعرّضُونَ لها أحيانًا.
ونحنُ في كنيسةِ أوستراليا المارونيّةِ نعيشُ في هذا العيدِ أَبعادَ الرَّجاءِ المنبعثة َ من أنوارِ القيامةِ في مسيرتِنا الرّوحيّةِ والرّعويّة. والقلبُ النّابضُ في هذه المسيرةِ هم شبيبتـُنا النّاشطةُ والواعدةُ والمتعطّشةُ دومًا إلى المزيدِ من الرّوحانيّةِ وكلماتِ الحياة. ومع عيدِ القيامةِ اليومَ تنطلقُ ورْشةُ التّحضيرِ العمَليِّ والإعدادِ المباشِرِ والتّسجيلِ في مُختلـَف الرّعايا، لمؤتمرِ الشّبيبةِ المارونيّةِ الأوّل، الّذي سيُعقـَدُ في أبرشيّتِنا من الرابعِ والعشرينَ إلى السادسِ والعشرينَ من تموز 2015. فالجميعُ مدعوٌّ إلى تشجيعِ الشّبيبةِ ومساعدتِهم ودعمِهم ومرافقتِهم بالصّلواتِ من أجلِ إنجاحِ المؤتمَرِ وتفعيلِ ثِمارِه ونتائجِه.
أيّها الأحبّاءُ، من أجلِكم أصلّي، ومعَكم للرّبّ يسوع َ القائم ِ من الموتِ أُسبّحُ، ولحضورِه الدّائمِ في سرِّ الإفخارستيّا نُرنِّمُ. فالمسيحُ القائمُ هو يسيرُ أمامَنا في رحلتِنا إلى السّماءِ الجديدةِ والأرضِ الجديدة (رؤ 21/1)، حيث سنجتمِعُ يومًا كعائلةٍ واحدة، أبناءً لله الآبِ بالرّوحِ والحَقّ.
فمن دونِ خوفٍ أو تردُّدٍ، لنـَسِرْ وراءَه في عالمِنا هذا المليءِ بالفرحِ والحُزنِ وعلى وجوهِنا ابتسامةٌ ودموعٌ تعكِسُ حقيقةَ حياتِنا الأرضيّة. ولـْتكُنْ مسيرتـُنا معَ المسيحِ القائمِ من القبرِ مسيرةَ رجاءٍ وتهليلٍ وفرح. آمين.
المسيح قام، حقاً قام!
سيدني في 5 نيسان 2015 + المطران أنطوان-شربل طربيه
راعي أبرشية اوستراليا المارونية
0 comments:
إرسال تعليق